Accueil
Aimé CESAIRE
Frantz FANON
Paulette NARDAL
René MENIL
Edouard GLISSANT
Suzanne CESAIRE
Jean BERNABE
Guy CABORT MASSON
Vincent PLACOLY
Derek WALCOTT
Price MARS
Jacques ROUMAIN
Guy TIROLIEN
Jacques-Stephen ALEXIS
Sonny RUPAIRE
Georges GRATIANT
Marie VIEUX-CHAUVET
Léon-Gontran DAMAS
Firmin ANTENOR
Edouard Jacques MAUNICK
Saint-John PERSE
Maximilien LAROCHE
Aude-Emmanuelle HOAREAU
Georges MAUVOIS
Marcel MANVILLE
Daniel HONORE
Alain ANSELIN
Jacques COURSIL

العالم بعد انتخاب بوتين: حدّ فاصل بين مبتهجين وحزانى

العالم بعد انتخاب بوتين: حدّ فاصل بين مبتهجين وحزانى

الموقف من إعادة انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرسم حداً فاصلاً ممتداً على النطاق العالمي بين الرافضين لاستمرار الهيمنة الأميركية والغربية، المتراجعة أصلاً، على مصائر بقية شعوب العالم ومقدراتها، وبين المدافعين عنها عن اقتناع و/أو مصلحة، أو القابلين بها باعتبارها أهون الشرور. ومن المرجح أن قطاعات معتبرة من الناخبين الروس الذين صوّتوا لبوتين وكذلك من المبتهجين بإعادة انتخابه خارج روسيا، لديهم تباينات واختلافات مع بعض مواقفه وسياساته، لكن المؤكد أنهم يرون في معارضته لثوابت الاستراتيجية الأميركية على المستوى الدولي في المجالات العسكرية والنووية وللسياسات الأميركية والغربية حيال عدد من الأزمات الدولية، دفاعاً عن مبدأ الندية في العلاقات بين الأمم، وهو مطلب قديم/ جديد لغالبية الشعوب غير الغربية.

قبل وفاته بفترة وجيزة، سئل الروائي والكاتب المسرحي الكبير، الفرنسي الجنسية، جان جينيه، في مقابلة صحافية عن سرّ حبه، وهو المتمرد الفوضوي الرافض لكل أشكال التسلط والسيطرة، لنظام «شمولي» كالاتحاد السوفياتي، فأجاب باختصار حاد: «لأنه يخيفكم». سيرته الذاتية، من الميتَم حيث ترعرع، الى السجن، حيث أودع مرات عدة بداعي السرقة نتيجة العوز، إلى الانحياز لقضايا المستغلين والمقهورين والمستعمرين، مكنّته من سبر الأغوار المظلمة للرأسماليات البرلمانية الغربية وكشف زيف ورياء قيمها وادعاءاتها وإدراك أهمية وجود قوة أو قوى دولية موازنة يفرض عليها قدراً من الضوابط والقيود ويفسح مجالاً للمناورة أمام «معذبو الأرض».
القيادة الروسية الحالية لا تعتبر أنّها صاحبة نموذج سياسي واقتصادي ــ اجتماعي بديل من الرأسماليات السائدة، ويكون قابلاً للتصدير نحو بقاع أخرى من العالم، على غرار ما كانت تعتقده القيادات السوفياتية المتعاقبة. هي ليست ثورية قطعاً، بل محافظة وتُفضِّل الاستقرار على احتمالات الفوضى التي تلازم عادة، ولفترات طويلة أحياناً، عمليات التغيير السياسي والاجتماعي. جلّ مطالبها تتمحور حول العلاقات الدولية وتحديداً حول كيفية تعاطي القوى الغربية مع روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي واستمرار استراتيجية الاحتواء تجاهها والسياسات العدائية الهادفة إلى زعزعة استقرارها والتدخل في شؤونها الداخلية بحجج واهية كالحرص على الديموقراطية وحقوق الإنسان وعبر أدوات كالمنظمات غير الحكومية وبعض الأحزاب المعارضة لإسقاط الفريق الحاكم فيها منذ وصول فلاديمير بوتين الى السلطة. توسيع حلف «الناتو» شرقاً، وصولاً إلى حدود روسيا ونشر بطاريات الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ هما الركيزتان الرئيستان لاستراتيجية الاحتواء الغربية المستمرة. وخطورة الدرع الصاروخي أنّها تندرج ضمن مسعى أميركي يهدف الى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي العالمي القائم على الردع النووي المتبادل بين القوى الدولية الأبرز، أي بحرمان روسيا، في حال تعرضها لضربة نووية أولى، من القدرة على الردّ عليها عبر إسقاط صواريخها البالستية الحاملة للرؤوس النووية. والأنكى هو ما أعلنت عنه إدارة الرئيس دونالد ترامب، في وثيقتها النووية الأخيرة، عن الشروع في تطوير أسلحة نووية مصغرة قابلة للاستخدام التكتيكي إذا قرر الرئيس الأميركي ذلك. بكلام آخر، لو لم تنجح روسيا في بناء جيل جديد من الصواريخ المتطورة القادرة على اختراق الدرع الصاروخي، لكان بإمكان الولايات المتحدة توجيه ضربة تكتيكية نووية محدودة لمواقع ومنشآت في روسيا ومنعها من الرد تحت طائلة التهديد بضربة استراتيجية مدمرة وواسعة النطاق.
البعض قد يعتقد أن هذا الكلام يتضمن مبالغة بخطورة مشروع الدرع الصاروخي والنيات التي تقف خلفه، لكنّ لهؤلاء أن يتصوروا طبيعة ردود الأفعال لو كانت روسيا هي التي تمكنت من نشر دروع صاروخية مضادة للصواريخ البالستية على الحدود الشمالية والجنوبية للولايات المتحدة. المشكلة أنّ هذا البعض بات يتقبل فكرة أنه يحق للولايات المتحدة ما لا يحق لغيرها، بل وحتى إنه يحق لها أن تفعل ما تشاء أو تراه مناسباً لمصالحها. لماذا؟ لأنّها ببساطة دولة ديموقراطية عريقة. أغلبية الروس التي صوتت لبوتين ومعها قسم عظيم من الشعوب غير الغربية، يعتقدون غير ذلك. تمكين الولايات المتحدة من الإخلال بالتوازن الاستراتيجي العالمي سيكون له نتائج وتداعيات كارثية ومدمرة على أمن هذه الشعوب وسيادتها ومصالحها، ومراجعة بسيطة لمصير البلدان المستهدفة ولكن العاجزة عن ردع العدوان، وآخرها العراق وليبيا وتحولها الى ساحات مستباحة، يزيل أدنى الشكوك لمن ليس في أنفسهم هوى. دوافع قومية، مذمومة من حيث المبدأ من قبل ناشطي المجتمع المدني وديموقراطيي ما بعد الحداثة، ولكن معبّرة عن إرادة الدفاع عن الاستقلال والأمن والمصالح الحيوية بالنسبة إلى عامة الشعب، وهم جميعهم مهددون من إدارة أميركية جامحة، حفّزت المصوتين لمصلحة بوتين.
هذا الأخير ترك الباب مفتوحاً للتفاوض مستقبلاً مع القوى الغربية عندما أكد في خطابه الشهير، الذي خصصه للإعلان عن منظومات الأسلحة الجديدة التي امتلكتها روسيا، أنّ بلاده طلبت أن تنصت القوى المذكورة إليها لكنها لم تفعل، وختم قائلاً: «انصتوا إلينا الآن». مطالبة الرئيس الروسي القوى الغربية بالتعامل مع بلاده بنديّة، حتى لو لم تجد آذاناً صاغية منها حتى الآن، لها أصداء كبرى في عالم الجنوب. فمطلب الندية يختصر مجمل مطالب الشعوب المستعمرة سابقاً وتطلعاتها، والتي لا تزال تعاني من سياسات النهب والسيطرة الغربية.
بوتين لم يتكفِ بالمطالبة بالندية. لقد أفشل عبر تدخله في سوريا عملية تغيير نظام بإشراف وتدخل غربي كما حصل في الحالتين السابقتين، العراقية والليبية. البعد السياسي والرمزي لهذا التدخل كبير جداً. لم تعد الولايات المتحدة وحلفاؤها يقررون وحدهم مصائر بلدان العالم غير الغربي وشعوبه. وقد أتى هذا التطور المهم في سياق دولي، من سماته البارزة تقارب جدي روسي ــ صيني، أكد عليه بوتين في خطابه بعد إعادة انتخابه، وتقدم عملية البناء الأوراسي التي ستفضي إلى تعديلات معتبرة في التوازنات الدولية الاقتصادية والسياسية، وهو أمر يتيح لبلدان الجنوب الاستفادة من وجود عدة لاعبين كبار على الساحة الدولية. بوتين يغيظُ الغربيين، وبدرجة ما هو يخيفهم، ولهذا السبب نحن نحبّه!

Connexion utilisateur

CAPTCHA
Cette question sert à vérifier si vous êtes un visiteur humain afin d'éviter les soumissions automatisées spam.